الخميس، ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٧

تذكار ـ قصة قصيرة

تذكار

قصة محمود البدوى

شارع القلعة شارع تاريخى .. ومن أقدم شوارع العاصمة .. وهو شارع طويل وحافل بمختلف الأشياء والسلع .. ففيه توجد دار الكتب المصرية والمكاتب التى تبيع الكتب القديمة والحديثة ودكاكين التجليد الفاخرة والمطابع الصغيرة .. ومحلات الدباغة بكل أنواعها .. والحوانيت التى تبيع الآلات الموسيقية الشرقية والغربية .. والصور الفوتوغرافية ورسوم الزيت والخردوات بكل أشكالها .. ودكاكين البقالة الصغيرة والكبيرة .. ومحلات الحلوى الشعبية .. والمطاعم الصغيرة .. والحانات .. وكل مايحتاجه الإنسان يجده فى هذا الشارع الشعبى ..
والحانات فى هذا الشارع تقع فى المنطقة التى بين دار الكتب وميدان العتبة .. وهى ليست كثيرة .. ولكنها حافلة بالرواد .. لأنها قريبة من مركز الثقل فى المدينة حيث تتركز كل الأعمال الثقيلة فى شارع الأزهر وشارع الجيش .. فبعد عمل شاق يجد الشيالون والعمال أنفسهم مسوقين بقوة لاتقهر إلى المقاهى والحانات .. لينسوا تعب النهار وكده فى الشاى الأسود والخمر ..
وكان الخواجة تاليدس .. يملك حانة صغيرة فى شارع القلعة .. ولما توفى فجأة اضطرت زوجته .. ايرين .. أن تديرها لتأتى برزق الأطفال .. وبعد شهر واحد من موت زوجها روعت بسيل من الأوراق التى لاتدخل فى حسبانها من الجهات الرسمية .. ومن التجار المتعاملين مع زوجها .. حتى فقدت أعصابها وأدركت أنها لاتصلح لهذا العمل ..
وكان يؤلمها أنها لاتعرف لغة هذه الأوراق ..
وفى كل يومين أو ثلاثة .. كان يدخل عليها العسكرى .. متأبطا .. ملفا قديما متسخا يخرج منه ورقة .. يقدمها لها فى غير مبالاة .. وكأنه يقدم لها صك الموت .. ومرة تكون الورقة من الضرائب .. ومرة أخرى من السجل التجارى ومرة من الأحوال الشخصية ..
وكانت تنظر لهذه الأوراق ببلاهة .. وتحدث نفسها .. هل ترك تاليدس كل هذه التركة المثقلة بالديون لى .. وهو يعرف أننى وحيدة .. ولماذا فعل هذا ..؟
وكانت عيناها تدمعان وهى ترى هذه الأوراق فى بيتها وهى وحيدة مع أطفالها ولا نصير لها ولامعين كانت تبكى بحرقة .. وزاد الحال سوءا لما اشتكاها أحد العمال لمصلحة العمل .. ثم حدث ماشل حركتها تماما عندما توقع عليها الحجز من الضرائب ..
وكان من زبائن الحانة .. رجل فى الأربعين من عمره ويدعى شفيق أفندى .. وكان يأتى فى الليل عادة بعد الساعة الثامنة .. مساء ولا يتخلف ليلة .. ويجلس وحده إلى مائدة ملاصقة للبنك الذى تجلس عليه ايرين ..
وكان يشرب البراندى ونظره عالق بها .. يأخذ جرعة ويضع الكأس كأنه يحتسى فنجالا من الشاى فلاحظها ذات ليلة وهى تخفى دموعها وسألها عما حدث فحكت له ايرين كل ما جرى فى الأيام الماضية ..
وقدمت له آخر ورقة .. تركها لها العسكرى فى الصباح .. وطمأنها شفيق أفندى .. وقال لها باخلاص :
ـ سأقوم بكل الإجراءات .. نيابة عنك .. ولاداعى لأن تشغلى نفسك بهذه الأشياء ..
ـ كم أشكرك .. إن هذه الأوراق روعتنى وحطمت أعصابى .. وأنا لا أعرف أى إجراء .. لا أعرف كيف أحل هذه المشاكل كلها .. لا أعرف شيئا على الإطلاق .. وكل من يؤدى لى خدمة يطلب الفلوس .. وليته يأخذ الفلوس ويأتى بنتيجة .. أنا أرملة مسكينة .. أعمل معروفا انقذنى من هذا العذاب ..
ـ لاتفكرى فى هذه الأشياء من الآن .. سأنهيها كلها .. لاتشغلى نفسك بها .. اعتبرينى كالمرحوم ..
وشكرته بحرارة .. وهى تقدر أن عذابها قد انتهى .. ومن هذه الساعة أشرف شفيق أفندى على كل حاجاتها .. وكان يقوم لها بكل الأعمال التى تتصل بالجهات الرسمية .. ويظل يلف فى النهار كالنحلة حتى يخلصها من كل المتاعب ..
وانزاح عنها الحمل الذى كانت تدور به .. وكان يعذبها .. وتفتحت نفسها للحياة من جديد .. وأخذت تبتسم وتتزين ..
وكان يجلس بجانبها كل ليلة يحادثها .. واطمأنت لصوته .. كما اطمأنت لخدماته .. وكان صوته يشيع فيها الدفء .. ورثت لحاله وأشفقت عليه لما عرفت بعض حياته الخاصة .. عرفت بأنه أرمل تزوج منذ خمسة عشر عاما .. ومكثت معه زوجته اسبوعا واحدا ثم هربت .. ومن وقتها وهو فى نزاع معها فى المحاكم .. لأنها حملت منه وأخلفت بنتا ..
ومن الوقت الذى بدأ فيه شفيق يحادث ايرين عن حياته الخاصة .. وهى تشعر بأنها فى حاجة لأن تتزين .. وأن تخفف من مظاهر الحداد على المرحوم ..
وكانت فى الثانية والأربعين من عمرها ممتلئة الجسم بيضاء البشرة سوداء الشعر .. وكانت تأنس بحديث شفيق كل ليلة .. حتى أصبح جزءا من حياتها .. كان يحدثها عن أحواله وآلامه بقلب يتمزق .. كان تعسا على طول الخط لم يشعر بالسعادة قط .. وقد جرته التعاسة إلى الخمر ..
وكانت ترثى لحاله .. وتجد رابطة خفية قد جمعتها به .. وشدتها إليه .. وعندما كانت تجمع نقودها من خزينتها فى الساعة العاشرة مساء وتنطلق إلى بيتها .. القريب .. فى أول شارع الهدارة بعابدين .. بعد أن تسلم المحل لأحد العمال .. كانت تشعر بأسف .. وتود أن تبقى فى المحل إلى نصف الليل .. لأنها تشعر فى البيت .. بوحشة .. وفراغ .. لم تكن تحس بهما فى الحانة ..
وكان أولادها الثلاثة .. يشغلونها فى الصباح .. وهم ذاهبون إلى المدرسة .. ولكن فى الليل .. وهى راجعة .. من المحل .. كانت تجدهم نياما .. وتجد الخادمة بدرية نائمة أيضا .. وكانت تحس بالوحدة القاسية وبهزة فى أعصابها .. كأن شيئا يتمزق فى كيانها ..
وكانت الليالى دافئة .. ولكنها كانت تحس بالبرودة وبالوحشة وبالعذاب الذى يضنيها ..
وبعد موت تاليدس .. بشهرين اثنين عرض عليها أكثر من رجل الزواج .. ولكنها رفضتهم جميعا .. كانت تعرف أنهم يرغبون فى ايراد الحانة وأن أحدا منهم لم يفكر فيها فى الواقع .. كأنثى ..
وكانت تود أن تبقى كما هى دون زواج لتربى الأطفال الصغار .. وكانت تعلم أن أى رجل يدخل فى بيتها .. مهما تكن صفاته وتكن أخلاقه سيشغلها عنهم .. ويتضايق فى الوقت نفسه منهم ..
وكانت تتسلى فى النهار بالعمل .. وبالإشراف على المحل ..
وفى الليل كانت تشعر بالراحة عندما يقبل شفيق .. ويجلس بجوارها .. كانت تشعر بسعادة غامرة .. ولكن هذه السعادة لم تدم .. فذات ليلة لم يحضر شفيق كعادته .. وانقطع فجأة .. وكانت تود أن تعرف بيته لتسأل عنه .. أو حتى تذهب إليه بنفسها فقد خشيت أن يكون مريضا .. ولا يجد من يمرضه ..
واستبد بها القلق .. فكانت تطالع الحوادث فى الصحف .. إذ خشيت أن يكون قد وقع له حادث ..
ومرت الأيام دون أن تراه .. وأخيرا شغلت نفسها بالعمل .. وأحست بأن الأيام زادتها خبرة بعملها واطمأنت لحالها .. وعرفت كيف تدير الحانة وكيف تشترى من التجار .. وكيف تحرك العمل بالابتسامة والمعاملة الحسنة .. وبدأ الحال يزدهر .. وجلبت أحسن أنواع الشاى والبن .. والخمور .. وكانت تشرف بنفسها على نظافة الأدوات .. وكل ما يستعمله الزبائن .. وكان كل شىء يسير على أحسن حال ..
وفى ظهر يوم وهى جالسة على البنك .. فوجئت بشىء طير صوابها ولم يكن فى حسبانها أبدا .. أمر بإغلاق الحانة .. لأن هناك إجراءات لم تتم تتعلق بالرخصة .. فانتهت وأصبحت غير معمول بها .. وإذا كانت ترغب فى فتح الحانة عليها أن تستخرج رخصة جديدة والحكومة لاتفتح حانات جديدة .. فى هذا الحى الشعبى .. لأنها لاتريد أن تجعل هذه السموم قريبة من هذه الأيدى الكادحة .. وذهبت ايرين إلى بيتها .. وهى تبكى .. ولم تستطع أن تمنع عيونها عن البكاء أمام الأطفال ..
وقبل أن يمر أسبوع على إغلاق الحانة طرق عليها شفيق أفندى الباب .. ولم تكن تدرى من الذى دله على العنوان .. واستقبلته فرحة .. وسألته أين كان طوال هذه المدة .. وعرفت أنه كان فى المنصورة ينجز بعض أموره الخاصة .. وكان الجو باردا .. فقدمت له ايرين فنجانا من الشاى .. وحكى لها كيف عرف بإغلاق المحل .. وآلمه الخبر .. فطار إليها .. وبعد حديث طويل معها وهو يتأمل بيتها .. ويتأملها .. وهى فى لباس البيت .. وكانت فى غير ثوب الحداد .. ولم تشأ أن تغير الثوب .. فزادت فى نظره فتنة ..
ونظر إلى عينيها .. وإلى بشرتها النقية .. وإلى جسمها الناضج .. وأحس باضطراب قلبه ..
وكانت جالسة أمامه .. صامتة حزينة .. فرق لحالها .. وكان يفكر فى مخرج لورطتها ..
وقال لها وقد فكر فى الرجل الذى سيلجأ إليه :
ـ هاتى الرخصة .. التى باسم المرحوم زوجك ..
ونهضت ايرين تبحث فى الأوراق حتى عثرت عليها .. وتناولها منها ونهض وهو يقول لها :
ـ اطمئنى وفى أقل من أسبوع .. ستكون الرخصة باسمك وتفتحين المحل ..
ـ ألا تريد نقودا ..؟
ـ لمن ..؟
ـ للرسوم .. والإجراءات .. وللشخص الذى يسهل العمل ..
ـ إن كانت هناك رسوم سأدفعها .. وأطلبها منك وأظنها بسيطة .. أما أن أدفع نقودا لأى شخص .. فهذا لايحدث أبدا لأنى لا ألجأ إلى إنسان ساقط المروءة فى عمل أبدا ..
ـ أنت إنسان نبيل .. ولا بد أن يكون أصحابك كلهم نبلاء مثلك وطيبين ..
ثم عادت تسأله بعد لحظات وكأنها تسترجع نفسها :
ـ ألا تقدم له حاجة أبدا ..؟
ـ أبدا ..
ـ إذن سأقدم لك أنت هدية ..
ـ أحسن هدية أننى أعود أجلس بجوارك هناك .. تحت نظرتك .. الحلوة ..
واحمر وجه ايرين وصمتت ..
وبعد خمسة أيام أتم شفيق أفندى لها الإجراءات الناقصة .. وفتحت المحل ..
وعادت ايرين إلى عملها .. وعاد الحال إلى ازدهاره وكانت كلما رأت شفيقا .. فكرت فى الهدية التى تقدمها له .. نظير خدماته لها ..
وكلما خطر فى بالها شىء وجدت أنه لايليق وفكرت فى غيره فى الحال .. وظلت هذه الخواطر تشغل بالها .. وتعذبها ..
وذات مساء .. وجدته متغير اللون عابسا ووجهه كأنه يتمزق .. فسألته عن السبب ..
فقال بأسى وصوته يتمزق ..
ـ أننى كنت النهار بطوله فى المحكمة الشرعية ..
فنظرت إليه باستغراب .. ولم يخطر على بالها قط أنه لايزال فى منازعات مع زوجته السابقة ..
ـ لماذا ..؟
ـ عندى بنت من زوجتى وقد بلغت الرابعة عشر من عمرها .. ولى ثلاث سنوات وأنا أحاول ضمها ..
ـ ثلاث سنوات ..؟
ـ ثلاث سنوات .. كاملة .. وأنا أتردد على المحاكم ..
ـ لم أكن أعرف .. أن لك بنتا كبيرة هكذا .. إنك فى نظرى لم تتجاوز الثلاثين ..
ـ فى الواقع لقد تزوجت صغيرا .. وتلك هى غلطتى الكبرى .. وإن كنت لم أتزوج إلا على الورق ..
وابتسمت ايرين .. وأشفقت على حاله .. وقالت :
ـ كل إنسان معرض للخطأ .. لأننا بشر ..
ـ ولكن غلطتى لا تغتفر .. لأنى سعيت إليها بكل جوارحى المتفتحة .. ثم مر الحادث كالكابوس المروع .. ومن فرط ما روعت لم أفكر فى أن أكرر المأساة ..
وشرب جرعة كبيرة من كأسه .. ونفث دخان سيجارته .. وقال :
ـ تصورى حال عريس يعود من عمله ويجد عروسه قد أخذت أثاثها وهربت .. تصورى هذا .. وهو ما حدث لى .. عدت من عملى فرحا بلقائها .. فوجدتها قد أخذت أثاث البيت كله .. وهربت به إلى بيت أبيها .. وكان قد مضى على زواجنا أسبوع واحد .. أننى لم أستطع أن أنسى هذا اليوم أبدا وإن مضى عليه أربعة عشر عاما ..
ـ ولماذا لم تترك البنت لأمها ..؟
ـ إنها فى الواقع لا تصلح .. ولا يمكن أن تكون أما لتربى أو تحتضن فتاة فى مثل سن سعاد .. وهى سن خطيرة .. ولكن القاضى يرى العكس .. يرى أنى أنا الذى لا أصلح كأب يحتضن ابنته ..
ـ لماذا ..؟
ـ لأنى سكير ..
واحمر وجه ايرين .. واستطرد شفيق :
ـ ولم يسألنى القاضى لماذا أشرب الخمر .. ولماذا شربتها .. شربتها بسببها هى .. لأنها هى التى حطمت أعصابى .. لم أكن أحب أن أقتلها فقتلت نفسى .. وأبقيت عليها .. كانت أعصابى .. فى حالة ثورة مجنونة لمدة أسبوع كامل .. بعد الذى حدث منها .. فشربت الخمر .. لأخدر أعصابى وأحاول أن أنسى .. ما حدث .. وأنسى حقارتها ولو لم أشرب الخمر لقتلتها .. ولكنى آثرت أن أقتل نفسى ببطء .. خيرا من أن ألوث يدى بدمها ..
ونظرت إليه ايرين بلطف وحنان .. كانت تعرف أنه يتعذب .. وأن الذكرى المؤلمة آلمته ومزقت نفسه .. وأن ما حدث له اليوم فى المحكمة زاده ألما وعذابا .. عندما عرف أنه لا يصلح فى المجتمع كأب .. آلمه هذا .. أكثر وأكثر ..
فلا شىء أفظع من أن يكون الرجل ضائعا فى الحياة لا قيمة له ولا وزن .. بين الناس ..
ونظرت إليه بحنان أكثر .. لما وجدته يطوى ألمه بين ضلوعه مرة أخرى ويعود إلى صمته وإلى الكأس يفرغ فيها أحزانه ..
وكانت تود أن تقول له :
ـ أنس ما حدث .. أنس .. أنس هذه المرأة وابحث عن غيرها .. إن عذابك استمر لأنك لم تبحث عن غيرها .. وكل امرأة .. ترغب فى الزواج منك .. لأنك شاب ووسيم ..
ونظرت إليه .. وفكرت فى أنه لو تقدم للزواج منها فى هذه اللحظة لقبلت على الفور .. مع أنها رفضت كثيرين غيره .. رفضت كل من تقدم إليها ..
ولم تكن تدرى لماذا تقبله على الفور .. الأنه يشعر بالتعاسة مثلها .. ولأن الحياة تمزقه دون ذنب جناه .. ولأنه يتعذب بسبب زوجته وبنته .. وتتعذب بسبب تركة زوجها وأولادها ..
ثم عادت وفكرت فى أنه ليس من جنسها .. ولماذا تتزوج رجلا من غير جنسها ..
وكان هو فى هذه الأثناء يدخن وحده .. يأخذ نفسا طويلا من سيجارته .. ويمسك الكأس بين أنامله بحنان ..
وفى خلال نصف ساعة أحس بأنه خرج من وسط الضباب الذى كان يسبح فيه وحده ووجدها لاتزال على البنك .. فسألها :
ـ ألست مروحة ..؟
ـ لا .. سأنتظر إلى آخر الليل .. أغلق أنا المحل .. عبده روح ..
فعاد يدخن صامتا ..
وكان هناك رجل واحد يجلس إلى مائدة منزوية .. فشرب ثم نهض .. وأخذ الفراش يطوى الكراسى .. ويخفف الضوء ..
***
وكانت ايرين منذ ساعة تنظر إلى شىء هناك من وراء الزجاج فى البوفيه الموضوع فى جانب من المحل .. وكان نظرها يرتد عنه .. ثم يعود إليه .. فى خلال ذلك انتابتها موجة من الإنفعالات فظهر أثرها على وجهها .. ولولا أن أحدا التفت إليها لاكتشف أمرها ولعرف ما تعانيه من عذاب وأخيرا تحركت من مكانها وفتحت البوفيه وأخرجت زجاجة ..
ومسحت عنها التراب بحنان ولفتها فى ورقة ..
كانت زجاجة من نبيذ بوردو النادر جاء بها المرحوم زوجها فى أحد أسفاره .. وأبقتها فى مكانها حتى الساعة .. كأعز تذكار .. كشىء ثمين تحرص عليه .. لأنه يذكرها به .. كانت هذه الزجاجة أعز عليها من كل شىء فى الحياة ..
وعندما كان الفراش ينزل أبواب المحل من الخارج كانت ايرين لاتزال فى الداخل .. وكانت تنظر إلى صورة صغيرة لزوجها معلقة فى الجدار .. وتنهدت ومدت يدها وجعلت وجه الصورة إلى الحائط .. ثم تناولت الزجاجة وأعطتها لشفيق وعيناها تتألقان ببريق فهم معناه ..
وسار بجانبها فى الشارع .. وهو يشعر بسعادة لم يحس بمثلها فى حياته . وكان يعرف أنها ذاهبة به إلى بيتها حتى وإن لم تحدثه عن ذلك صراحة .. وكان متيقنا من ذلك ..
وكان الفرح يغمره .. وكان يمشى كالمأخوذ .. ولكنه يحس بأن عذابه انتهى وأن روحه عادت إليه ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت القصة فى مجلة " الجيل " بعددها رقم 349 بتاريخ 13/7/1959وأعيد نشرها فى كتاب " عذراء ووحش " سنة 1963
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات: